فصل: (بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ):

هُوَ طَلَبُ السُّقْيَا يُقَالُ سَقَاهُ اللَّهُ وَأَسْقَاهُ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}، وَقَالَ تَعَالَى {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْكُسُوفِ أَنَّهُمَا تَضَرُّعٌ يُؤَدَّيَانِ فِي حَالِ الْحُزْنِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَقُلْت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} فَعَلَّقَ نُزُولَ الْغَيْثِ بِالِاسْتِغْفَارِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ) وَلَا يُكْرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ) وَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا.
وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَكْبِيرَاتٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ يَخْرُجُ النَّاسُ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ مُشَاةً لَا عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ أَوْ غَسِيلٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ خَاضِعِينَ نَاكِسِي رُءُوسَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَخْطُبُ) يَعْنِي بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ خُطْبَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ خُطْبَتَيْنِ وَلَا خُطْبَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ فِيهَا عِنْدَهُ وَيَكُونُ مُعْظَمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَهُمَا الِاسْتِغْفَارَ.
قَوْلُهُ: (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ) فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَلِّي ثُمَّ يَدْعُو وَعِنْدَهُمَا يُصَلِّي ثُمَّ يَخْطُبُ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْخُطْبَةِ قَلَبَ رِدَاءَهُ وَيَدْعُو قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْلِبُ رِدَاءَهُ) بِالتَّخْفِيفِ يَعْنِي إذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْخُطْبَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَلِّبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) بِالتَّشْدِيدِ كَمَا يُقَالُ فَتَحْت الْبَابَ مُخَفَّفًا وَفَتَّحْت الْأَبْوَابَ مُشَدَّدًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقْلِبُ رِدَاءَهُ وَصِفَتُهُ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُرَبَّعًا جُعِلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا كَالْجُبَّةِ جُعِلَ الْجَانِبُ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُونَ لِلدُّعَاءِ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلَّا فِي ضَلَالٍ} وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْعِيدِهِمْ فَقَالَ {أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ}؛ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ مَعَ الْكُفْرِ يُوجِبُ نُزُولَ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمْ عِنْدَ طَلَبِ الرَّحْمَةِ.

.(بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ):

إنَّمَا أَفْرَدَ هَذَا الْبَابَ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهُ نَوَافِلُ اُخْتُصَّتْ بِخَصَائِصَ لَيْسَ هِيَ فِي مُطْلَقِ النَّوَافِلِ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَتَقْدِيرِ الرَّكَعَاتِ وَسُنَّةِ الْخَتْمِ وَعَقَّبَهُ بِالِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ مِنْ نَوَافِلِ النَّهَارِ وَهَذَا مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِيَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ» وَسُمِّيَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يُرْمِضُ الذُّنُوبَ أَيْ يُحْرِقُهَا.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْإِمَامُ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي كُلِّ تَرْوِيحَةٍ تَسْلِيمَتَانِ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرَاوِيحَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ»، وَأَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ أَدَاءَهَا بِالْجَمَاعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلِذَلِكَ قَالَ يُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَلَمْ يَقُلْ تُسْتَحَبُّ التَّرَاوِيحُ وَإِنَّمَا قَالَ يَجْتَمِعُ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَتَفَرَّقُونَ عَنْ هَيْئَةِ الصُّفُوفِ فَلِهَذَا قَالَ يَجْتَمِعُونَ أَيْ يَرْجِعُونَ صُفُوفًا وَمَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ كَمَا يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَتَكْثُرُ الْجَمَاعَةُ بِحُضُورِهِ وَتَقِلُّ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ، وَقَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي كُلِّ تَرْوِيحَةٍ تَسْلِيمَتَانِ التَّرْوِيحَةُ اسْمٌ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْعُدُ عَقِيبَهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجْلِسُ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ) وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَهُمْ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسِ إنْ شَاءُوا يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا وَهَلْ يُصَلُّونَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَهُ وَهَلْ يَجْلِسُ بَيْنَ التَّرْوِيحَة الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْلِسُ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَلَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ كُلَّ سِتٍّ أَوْ كُلَّ ثَمَانٍ أَوْ كُلَّ عَشْرٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فِي التَّرَاوِيحِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ إنْ تَذَكَّرَ فِي الْقِيَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَيَقْعُدَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَإِنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا إذَا أَتَى بِالْأَرْبَعِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ قَعَدَ فِيهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ أَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ.
وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ جَازَ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ إكْمَالِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِذَا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ ظَانٌّ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَلْ تَفْسُدُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ نَعَمْ تَفْسُدُ وَلَا تُجْزِئُ عَنْ شَيْءٍ وَإِنْ شَكُّوا أَنَّهُمْ هَلْ صَلَّوْا عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ أَوْ تِسْعَ تَسْلِيمَاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ تَسْلِيمَةً أُخْرَى فُرَادَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوتِرُونَ وَلَا يَأْتُونَ بِتَسْلِيمَةٍ أُخْرَى وَلَوْ تَذَكَّرُوا بَعْدَ الْوِتْرِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا تَسْلِيمَةً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُصَلُّونَهَا فُرَادَى.
وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوهَا بِجَمَاعَةٍ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَسْجِدَيْنِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ الْإِسْكَافِ.
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِذَا فَسَدَ الشَّفْعُ وَقَدْ قَرَأَ فِيهِ لَا يُعْتَدُّ بِمَا قَرَأَهُ فِيهِ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ لِيَحْصُلَ الْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ الْجَائِزَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَدُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْقِرَاءَةُ وَلَا فَسَادَ فِيهَا وَإِذَا غَلِطَ فَتَرَكَ سُورَةً أَوْ آيَةً وَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْمَتْرُوكَةَ ثُمَّ الْمَقْرُوءَةَ لِتَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْقَوْمِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْخَتْمُ مَرَّةً وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ فِي ثَلَاثِينَ لَيْلَةً سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْكَرِيمِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَتْمُ فِي التَّرَاوِيحِ مَرَّةً سُنَّةٌ وَالْخَتْمُ مَرَّتَيْنِ فَضِيلَةٌ وَالْخَتْمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ عَشْرِ لَيَالٍ مَرَّةٌ أَفْضَلُ فَالْخَتْمُ مَرَّةً يَقَعُ بِقِرَاءَةِ عَشْرِ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَالْخَتْمُ مَرَّتَيْنِ يَقَعُ بِقِرَاءَةِ عِشْرِينَ آيَةً وَالْخَتْمُ ثَلَاثًا يَقَعُ بِقِرَاءَةِ ثَلَاثِينَ آيَةً فَإِنْ أَرَادُوا الْخَتْمَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِكَثْرَةِ مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَلَا يُتْرَكُ الْخَتْمُ فِي رَمَضَانَ لِكُلِّ الْقَوْمِ يَعْنِي لَا يُقْرَأُ أَقَلُّ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْخَتْمُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيُحْتَاطُ فِيهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَلَوْ حَصَلَ الْخَتْمُ بِلَيْلَةِ التَّاسِعِ أَوْ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا يَتْرُكُ التَّرَاوِيحَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ»، وَلِهَذَا قِيلَ إذَا عَجَّلَ الْخَتْمَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ صَلَّوْهَا بِإِمَامَيْنِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ انْصِرَافُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى كَمَالِ التَّرْوِيحَةِ فَإِنْ انْصَرَفَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْوِتْرِ وَكَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَؤُمُّهُمْ فِي التَّرَاوِيحِ وَسُئِلَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ إمَامَةِ الصِّبْيَانِ فِي التَّرَاوِيحِ فَقَالَ يَجُوزُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ أَمَّ الصَّبِيُّ الصِّبْيَانَ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّ إمَامَةَ الصَّبِيِّ فِي التَّرَاوِيحِ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَؤُمُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي التَّرَاوِيحِ وَكَانَ صَبِيًّا.
كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَفِي الْهِدَايَةِ إمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَبْنِي الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَأَمَّا أَدَاءُ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اعْتِبَارًا بِسُنَّةِ الْفَجْرِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَاقْتَدَى بِهِ قَوْمٌ قِيَامًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فِيهَا فَمَا الْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِينَ ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْعُدُوا احْتِرَازًا عَنْ صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الْأَفْضَلُ الْقِيَامُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْقُعُودُ لِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ فَيَكُونُ قَاعِدًا حَتَّى إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الرُّكُوعَ نَهَضَ لِلرُّكُوعِ مُبَادِرًا خَوْفًا مِنْ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَانِي فِي عِبَادَةِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} وَهَلْ يَحْتَاجُ لِكُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ يَحْتَاجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى نِيَّةٍ.
قَالَ فِي الْفَتَاوَى إذَا نَوَى التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي الشَّهْرِ يَجُوزُ وَإِنْ نَوَى صَلَاةً مُطْلَقَةً أَوْ تَطَوُّعًا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ وَسَائِرَ السُّنَنِ تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا نَوَى فِي التَّرَاوِيحِ صَلَاةً مُطْلَقَةً الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ التَّرَاوِيحِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي اللَّيْلُ كُلُّهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وُقِّتَ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ لَمْ يُؤَدِّهَا فِي وَقْتِهَا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّرَاوِيحِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَإِنْ أَخَّرُوهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لَا يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ عَنْ وَقْتِهَا لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْضَى مَا لَمْ يَمْضِ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْضَى وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْضَى مَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِإِمَامٍ وَصَلَّى التَّرَاوِيحَ بِإِمَامٍ آخَرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَ الْعِشَاءِ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ، وَلَوْ فَاتَتْهُ تَرْوِيحَةٌ أَوْ تَرْوِيحَتَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُوتِرُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ ثُمَّ يُوتِرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَقْتَ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ بِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّةٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَكُونُ تَرَاوِيحَ وَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ جَازَ وَتَكُونُ تَرَاوِيحَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَهِيَ بِجَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ وَفِي النَّوَافِلِ يَجُوزُ الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَعْنِي بِهِ الْكَرَاهَةَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا صَلَّى الْوِتْرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ):

هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِجَمَاعَةٍ فِي النَّفْلِ غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ إلَّا فِي رَمَضَانَ وَكَانَ عَارِضًا فَكَذَا صَلَاةُ الْخَوْفِ شُرِعَتْ بِعَارِضِ الْخَوْفِ مَعَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فَالْتَأَمَ الْبَابَانِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ التَّرَاوِيحَ لِكَثْرَةِ تَكْرَارِهَا وَالْخَوْفُ نَادِرٌ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ) صُورَةُ اشْتِدَادِهِ أَنْ يَحْضُرَ الْعَدُوُّ بِحَيْثُ يَرَوْنَهُ فَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا جَمِيعًا بِالصَّلَاةِ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ سَوَادَ الْعَدُوِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ نَارٍ أَوْ غَرَقٍ.
قَوْلُهُ: (جَعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ طَائِفَةً إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَطَائِفَةً خَلْفَهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُنَا قَيْدٌ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَنْ لَوْ تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ إمَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَيَأْمُرُ طَائِفَةً تَقُومُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الَّتِي مَعَهُ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَتَقِفُ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَدْ صَلَّتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يُرِيدُونَ كُلُّهُمْ إلَّا إمَامًا وَاحِدًا وَيَكُونُ الْوَقْتُ قَدْ ضَاقَ وَأَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ شَرْعِيَّةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي زَمَانِنَا وَقَالَ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ كَوْنَهُ فِيهِمْ فَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ} لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْغَبُونَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مَا لَا يَرْغَبُونَ خَلْفَ غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَقَامُوهَا بَعْدَهُ وَمَعْنَى الْآيَةِ وَإِذَا كُنْت أَنْتَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَك كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}.
قَوْلُهُ: (فَيُصَلِّي بِهَذِهِ الطَّائِفَةَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ) يَجُوزُ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وقَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَوَاتِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ) يَعْنِي مُشَاةً فَإِذَا رَكِبُوا فِي مُضِيِّهِمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ.
قَوْلُهُ: (وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَلِّمُوا) لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَدْ كَمُلَتْ.
قَوْلُهُ: (وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ وَلَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ صَلَّتْ مَعَهُمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ قَدْ كَمُلَتْ وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ مُسْبَقُونَ وَلَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ صَلَّتْ مَعَهُمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُسَافِرِينَ فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَهُمْ مُقِيمُونَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيَنْصَرِفُونَ وَبِالثَّانِيَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ تَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَتُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ فَالرَّكْعَةُ الْأُولَى بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّهُمْ فِيهَا كَمَنْ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَكَذَا الْأُخْرَيَانِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ انْعَقَدَتْ وَهِيَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْقِرَاءَةِ.
وَأَمَّا السَّهْوُ فِيمَا يَقْضُونَ إذَا سَهْوَا فِيهِ فَإِنَّهُمْ كَالْمَسْبُوقِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ ثُمَّ تَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ، يَقْرَءُونِ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ لَا غَيْرُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَنْتَظِرَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَةً وَيُسَلِّمُوا وَيَنْصَرِفُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُتِمُّونَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَلَكِنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يُتِمُّوا وَيُسَلِّمَ بِهِمْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا تَصِيرُ صَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ أَرْبَعًا لِلتَّبَعِيَّةِ فَإِنْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا فَصَلَاةُ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ رَكْعَتَيْنِ لَا انْصِرَافَ فِيهِمَا وَهِيَ هُنَا انْصَرَفَتْ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَأَصْلُهُ أَنَّ الِانْصِرَافَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ مُفْسِدٌ وَتَرْكُهُ فِي أَوَانِهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَهُمْ أَرْبَعَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ فَاسِدَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ وَتَقْرَأُ كُلُّ طَائِفَةٍ فِيمَا سَبَقَتْ وَلَا تَقْرَأُ فِيمَا لَحِقَتْ فَإِنْ عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ صَلَّوْا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهِمَا فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَا سَبَقَهُمْ إلَّا بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهَا مَسْبُوقُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ فَتُصَلِّي ثَلَاثًا بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهِنَّ مَسْبُوقُونَ فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَيَقْعُدُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ أُخْرَى بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَلَا يَقْعُدُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ رَكْعَةً ثَالِثَةً بِالْفَاتِحَةِ لَا غَيْرُ وَيَقْعُدُونَ وَيُسَلِّمُونَ.
قَوْلُهُ: (وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً) لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تَسْتَحِقُّ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَتَنْصِيفُ الرَّكْعَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَجَعْلُهَا فِي الْأُولَى أَوْلَى بِحُكْمِ السَّبْقِ فَلَوْ أَخْطَأَ وَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا بِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى فَسَادُهَا ظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأُولَى حَقِيقَةً وَقَدْ انْحَرَفُوا بَعْدَ الْقَعْدَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالْأُولَى الثَّالِثَةَ فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا انْصَرَفَتْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأُولَى وَقَدْ انْحَرَفُوا فِي أَوَانِهِ وَيَقْضُونَ رَكْعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَالثَّانِيَةُ بِقِرَاءَةٍ وَلَوْ جَعَلَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ طَوَائِفَ فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ جَائِزَةٌ وَتَقْضِي الثَّانِيَةُ رَكْعَتَيْنِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهَا فِيهَا لَاحِقَةٌ وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَاتِلُونَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قَاتَلُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ) لِأَنَّ الْقِتَالَ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَا مَنْ رَكِبَ حَالَ انْصِرَافِهِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا وُحْدَانًا يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} مَعْنَى فَرِجَالًا أَيْ قِيَامًا عَلَى أَرْجُلِكُمْ وَاشْتِدَادِ الْخَوْفِ هُنَا أَنْ لَا يَدَعُهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يَهْجُمُونَهُمْ بِالْمُحَارَبَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً رُكْبَانًا لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ وَكَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ عَنْ الرَّاكِبِ يَسْقُطُ عَنْهُ الِاسْتِقْبَالُ إلَى الْقِبْلَةِ

.(بَابُ الْجَنَائِزِ):

هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ إذْ الْوُجُوبُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَالْجَنَائِزُ جَمْعُ جِنَازَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِلنَّعْشِ أَوْ السَّرِيرِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ بِأَنْ يُفْزِعَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ فَيَمُوتَ فَزِعًا أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ مَيِّتًا لَيْسَ بِهِ أَثَرٌ غُسِّلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ فَزِعًا أَوْ نَقُولُ أَنَّهُ لِمَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْمَمَاتِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَإِذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ) أَيْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْ حَضَرَتْهُ مَلَائِكَةُ الْمَوْتِ وَعَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَيَنْعَوِجَ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ فَلَا يُرَى فِيهَا تَعَطُّفٌ.
قَوْلُهُ: (وُجِّهَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُوضَعُ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ رُوحِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ وَصُورَةُ التَّلْقِينِ أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ النَّزْعِ جَهْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ سُمِّيَا شَهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا شَهَادَةٌ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَشَهَادَةٌ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ وَيُلَقَّنُ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ وَلَا يُلَحُّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَضْجَرَ فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةَ لَا يُعِيدُهَا عَلَيْهِ الْمُلَقِّنُ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرَهَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ فَمَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيه فِي الْقَبْرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ وَقَدْ رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا.
فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ مَتَى يُسْأَلُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ حَتَّى يُدْفَنَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي بَيْتِهِ تُقْبَضُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ وَتَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَالْقَبْرِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ لِأَنَّ الْآثَارَ وَرَدَتْ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُهُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ رَبُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ اللَّهَ رَبِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَا دِينُك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ دِينِي الْإِسْلَامُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَنْ نَبِيُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ نَبِيِّي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلَقِّنُهُ بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ حَتَّى يُجِيبَ كَمَا أُلْهِمَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَهْدِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا مَاتَ شَدُّوا لَحْيَيْهِ وَغَمَّضُوا عَيْنَيْهِ) لِأَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ أَتْبَعَهُ الْبَصَرُ} وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُغَمَّضْ وَلَمْ يُشَدَّ لَحْيَاهُ يَصِيرُ كَرِيهَ الْمَنْظَرِ وَرُبَّمَا تَدْخُلُ الْهَوَامُّ عَيْنَيْهِ وَفَاهُ إذَا لَمْ يُفْعَلْ بِهِ ذَلِكَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَتَوَلَّى أَرْفَقُ أَهْلِهِ بِهِ إمَّا وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ إغْمَاضَهُ بِأَسْهَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُشَدُّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ يَشُدُّهَا مِنْ لَحْيِهِ الْأَسْفَلَ وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَيُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ وَيَرُدَّ ذِرَاعَيْهِ إلَى عَضُدَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا وَيَرُدَّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ إلَى كَفَّيْهِ ثُمَّ يَمُدَّهَا وَيُرَدَّ فَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَسَاقَيْهِ إلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يَمُدَّهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ جِيرَانُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ بِمَوْتِهِ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الشَّوَارِعِ وَالْأَسْوَاقِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضِ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُسَارِعَ إلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ وَإِبْرَائِهِ مِنْهُ لِأَنَّ نَفْسَ الْمَيِّتِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ وَيُبَادَرُ إلَى تَجْهِيزِهِ وَلَا يُؤَخَّرُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ فَإِنْ يَكُ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ» فَإِنْ مَاتَ فُجَاءَةً تُرِكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ، فُجَاءَةٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضِيقٍ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا دَامَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي».
قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَضَعُوهُ عَلَى السَّرِيرِ) لِيَنْصَبَّ الْمَاءُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ إذَا وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ يَتَلَطَّخُ بِالطِّينِ وَصُورَةُ الْوَضْعِ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَيْفَ تَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ ثِقَةً لِيَسْتَوْفِيَ الْغُسْلَ وَيَكْتُمَ مَا يَرَى مِنْ قَبِيحٍ وَيُظْهِرَ مَا يَرَى مِنْ جَمِيلٍ فَإِنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ مِنْ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ النَّاسَ وَإِنْ رَأَى مَا يُكْرَهُ مِنْ اسْوِدَادِ وَجْهِهِ وَنَتْنِ رَائِحَتِهِ وَانْقِلَابِ صُورَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ أَحَدًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِئِهِمْ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون بِقُرْبِ الْغَاسِلِ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ لِئَلَّا يَظْهَرَ مِنْ الْمَيِّتِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَتَضْعُفَ نَفْسُ الْغَاسِلِ وَمَنْ يُعِينُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَر الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ الْمَيِّتُ فَلَا يَرَاهُ إلَّا غَاسِلُهُ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ عَيْبٌ يَكْتُمُهُ.
وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلَتْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَتْ لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ {وَغَسَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ وَغَسَّلَهُ الْمُسْلِمُونَ حِينَ مَاتَ}.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ لِأَيِّ عِلَّةٍ وَجَبَ غُسْلُ الْمَيِّتِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَجْلِ الْحَدَثِ لَا لِنَجَاسَةٍ ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ لَا تَزُولُ بِالْغُسْلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْحَدَثُ مِمَّا يَزُولُ بِالْغُسْلِ حَالَ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَالْآدَمِيُّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ كَرَامَةً لَهُ وَلَكِنْ يَصِيرُ مُحْدِثًا لِأَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْحَدَثِ كَمَا فِي الْجَنَابَةِ لَكِنْ اكْتَفَى بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا لَمْ تَتَكَرَّرْ لَمْ يَكْتَفِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَكَذَا الْحَدَثُ بِسَبَبِ الْمَوْتِ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يُؤَدِّي غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ إلَى الْحَرَجِ فَأَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ بِأَنَّ غُسْلَهُ وَجَبَ بِنَجَاسَةِ الْمَوْتِ لَا بِسَبَبِ الْحَدَثِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَيَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ جَمِيعُ مَائِهَا.
وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَصَلَّى مَعَهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ لَا غَيْرُ لَكَانَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْغُسْلِ كَمَا لَوْ حَمَلَ مُحْدِثًا فَصَلَّى مَعَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ وَلَوْ كَانَ لِلْحَدَثِ لَكَانَ يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ كَمَا فِي الْحَدَثِ ثُمَّ الْمَوْتَى عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهُمْ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ وَهُوَ الشَّهِيدُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ غَيْرُ الشَّهِيدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَاغِي وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْكَافِرُ الَّذِي لَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَافِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ: (وَجَعَلُوا عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةً) لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْآدَمِيُّ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ غُسْلُ النِّسَاءِ وَلَا لِلنِّسَاءِ غُسْلُ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ بَعْدَ الْوَفَاةِ {وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ} وَيَجْعَلُ الْخِرْقَةَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ يَكْتَفِي بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ يَعْنِي الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ تَيْسِيرًا.
قَوْلُهُ: (وَنَزَعُوا ثِيَابَهُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْغُسْلِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَمَا أَنَّ الْحَيَّ يَتَجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ فَكَذَا الْمَيِّتُ وَهَلْ يُسْتَنْجَى الْمَيِّتُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ نَعَمْ لِأَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُسْتَنْجَى لِأَنَّ الْمَفَاصِلَ تَرْتَخِي بِالْمَوْتِ فَرُبَّمَا يَزْدَادُ الِاسْتِرْخَاءُ بِالِاسْتِنْجَاءِ فَيَخْرُجُ عَنْ بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ وَصُورَةُ اسْتِنْجَائِهِ أَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغْسِلَ السَّوْأَةَ لِأَنَّ مَسَّ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ كَالنَّظَرِ إلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَوَضَّئُوهُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ فِي الْحَيَاةِ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غُسْلِهِ النَّظَافَةُ وَالْمَسْحُ لَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخَّرُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أُخِّرَتَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ يَجْتَمِعُ تَحْتَهُمَا وَهَذَا لَا يُوجَدُ هُنَا وَيَوَضَّأُ كُلُّ مَيِّتٍ بِغُسْلٍ إلَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ إلَى النِّيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُمَضْمِضُوهُ وَلَا يُنَشِّقُوهُ) لِأَنَّهُمَا لَا يَتَأَتَّيَانِ مِنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَالِاسْتِنْشَاقُ أَنْ يَجْذِبَ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى خَيَاشِيمِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْغَاسِلُ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً رَقِيقَةً وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِ الْمَيِّتِ وَيَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ وَلَهَاتَهُ وَشَفَتَيْهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَلَا يَغْسِلُ يَدَ الْمَيِّتِ قَبْلَ غُسْلِهِ إلَى الرُّسْغِ كَمَا يَبْدَأُ بِهِمَا الْحَيُّ فِي غُسْلِهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُفِيضُونَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ صَبًّا بَعْدَ الْوُضُوءِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ يُوَضَّأُ أَوَّلًا وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّابُونُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحُرُضُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيَكْفِيه الْمَاءُ الْقَرَاحُ وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ غُسْلِهِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ عَلَى الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ.
قَوْلُهُ: (وَيُجَمِّرُ سَرِيرَهُ وِتْرًا) أَيْ يُنَجِّرُ بِالْمِجْمَرَةِ إذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْخَمْسِ قَوْلُهُ (وَيُغْلَى الْمَاءُ بِالسِّدْرِ) يَعْنِي الْوَرَقَ (أَوْ بِالْحُرُضِ) وَهُوَ الْأُشْنَانُ قَبْلَ الطَّحْنِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْحَارَّ أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الدَّرَنِ وَغُسْلُ الْمَيِّتِ شُرِعَ لِلتَّنْظِيفِ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ الْقَرَاحُ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (وَيُغْسَلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ) وَهُوَ نَبْتٌ بِالْعِرَاقِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ شَعْرٌ عَلَى رَأْسِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ) لِأَنَّهُ إذَا أَضْجَعَهُ عَلَيْهِ بَدَا شِقُّهُ الْأَيْمَنِ.
قَوْلُهُ: (فَيُغَسِّلُ) شِقَّهُ الْأَيْمَنَ (بِالْمَاءِ) الْقَرَاحِ (حَتَّى) يُنْقِيَهُ وَ (يَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ) شِقَّهُ الْأَيْسَرَ (بِالْمَاءِ) الْمَغْلِيِّ بِالسِّدْرِ (حَتَّى) يُنْقِيَهُ وَ (يَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ) وَغُسْلُ الْمَرْأَةِ كَغُسْلِ الرَّجُلِ لِأَنَّ غُسْلَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَاحِدٌ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُجْلِسُهُ وَيُسْنِدُهُ إلَيْهِ وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ مَسْحًا رَقِيقًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ) تَحَرُّزًا عَنْ تَلْوِيثِ الْأَكْفَانِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ وَلَا وُضُوءَهُ) وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُعِيدُونَ غُسْلَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعِيدُونَ وُضُوءَهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُغَسِّلُ الرِّجَالَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ وَلَا يُغَسِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا لَا يُشْتَهَى جَازَ أَنْ يُغَسِّلَهُ النِّسَاءُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى جَازَ لِلرِّجَالِ غُسْلُهَا وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ فِي ذَلِكَ كَالْفَحْلِ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ زَوْجَهَا إذَا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ مِنْ تَقْبِيلِ ابْنِ زَوْجِهَا أَوْ أَبِيهِ فَإِنْ حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهَا غُسْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُغَسِّلُهَا إذَا مَاتَتْ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُغَسِّلُهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَغْسِلَهُ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ مَا دَامَا فِي الْعِدَّةِ وَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَتَبْطُلُ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ أَبَاهُ لِشَهْوَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ إنَّ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَهُوَ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ حَالَةَ الْوَفَاةِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ لِمَعْنًى بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَالَ الْوَفَاةِ أَنْ تُغَسِّلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تُغَسِّلَهُ لِحُدُوثِ مَعْنًى آخَرَ وَأَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ اعْتَبَرُوا وَقْتَ الْغُسْلِ فَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَقْتَ الْوَفَاةِ يَبْطُلُ ذَلِكَ بِحُدُوثِ مَعْنًى بَعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَقْتَ الْوَفَاةِ ثُمَّ يَعُودُ لَهَا حَقُّ الْغُسْلِ كَمَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً وَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَلَهَا ذَلِكَ خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ وَهِيَ فِي نِكَاحِ الْأَوَّلِ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُغَسِّلْهُ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ فَلَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِذَا مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْعَتَاقِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ كَالزَّوْجَةِ وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَمَتِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ لَمْ تُغَسِّلْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَمَةَ صَارَتْ لِغَيْرِهِ وَالْمُدَبَّرَةُ عَتَقَتْ مِنْ كُلِّ مَالِهِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ ثُلُثُهَا وَصَارَتْ كَالْمُكَاتَبَةِ وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ لَمْ يُغَسِّلْهَا لِأَنَّ عُلْقَةَ النِّكَاحِ انْقَطَعَتْ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَكَذَا إذَا مَاتَتْ أُمُّ وَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا وَيُكْرَهُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ غُسْلُ الْمَوْتَى فَإِنْ فَعَلُوا أَجْزَأَهُمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّ غَيْرَهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ وَإِذَا مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُغَسَّلُ فِي كِوَارَةٍ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُنَشَّفُ فِي ثَوْبٍ) وَيُجْعَلُ فِي أَكْفَانِهِ لِئَلَّا تَبْتَلّ أَكْفَانُهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَنُوطٌ لَا يَضُرُّهُ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهُ الرِّجَالُ كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَيُجْعَلُ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ فِي الْحَنُوطِ وَقَالَ طَاوُسٍ وَعَطَاءٌ لَا يُطَيَّبُ الرَّجُلُ بِالْمِسْكِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَنَّطَ النِّسَاءُ بِالزَّعْفَرَانِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) يَعْنِي جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَكَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ لِفَضِيلَتِهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَاخْتَصَّتْ بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
قَوْلُهُ: (وَالسُّنَّةُ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَيْفِيَّةُ الْكَفَنِ لَا أَصْلُهُ وَأَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ فَوَاجِبٌ وَالْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ ثُمَّ الدَّيْنُ بَعْدَهُ ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ الدَّيْنِ ثُمَّ الْمِيرَاثُ بَعْدَ الْكُلِّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ مُعْسِرٌ فَكَفَنُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَيْتُ مَالٍ يُفْرَضُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا سَأَلُوا غَيْرَهُمْ فَرْقًا بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَإِنَّ الْحَيَّ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا وَيُصَلِّي فِيهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيَّ يَقْدِرُ عَلَى السُّؤَالِ بِنَفْسِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَقْدِرُ وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَا مَالَ لَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ كَفَنُهَا عَلَى زَوْجِهَا كَمَا تَجِبُ كِسْوَتُهَا فِي حَيَاتِهَا عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ فَإِنْ كَفَّنَهَا فِي مَالِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ التَّكْفِينُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَفَنُ السُّنَّةِ وَكَفَنُ الْكِفَايَةِ وَكَفَنُ الضَّرُورَةِ فَكَفَنُ السُّنَّةِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ.
وَهُوَ قَوْلُهُ (إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٍ) الْإِزَارُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَالْقَمِيصُ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ إلَى الْقَدَمِ وَلَيْسَ لَهُ كُمٌّ وَاللِّفَافَةُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَلَيْسَ فِي الْكَفَنِ عِمَامَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي الْفَتَاوَى اسْتَحْسَنَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ لِمَنْ كَانَ عَالِمًا وَيُجْعَلُ ذَنَبُهَا عَلَى وَجْهِهِ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ فِي الْحَيَاةِ يُجْعَلُ ذَنَبُهَا عَلَى قَفَاهُ بِمَعْنَى الزِّينَةِ وَبِالْمَوْتِ قَدْ انْقَطَعَ عَنْ الزِّينَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْخَلَقُ وَالْجَدِيدُ فِي التَّكْفِينِ سَوَاءٌ وَالْكَتَّانُ وَالْقُطْنُ سَوَاءٌ لِأَنَّ مَا جَازَ لُبْسُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ جَازَ التَّكْفِينُ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي الْحَرِيرِ وَالْمُعَصْفَرِ اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ وَأَحَبُّ الْأَكْفَانِ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَحَبُّ الثِّيَابِ إلَى اللَّهِ الْبِيضُ فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَسَوَاءٌ كَانَ جَدِيدًا أَوْ غَسِيلًا» وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَقِيلَ لَهُ أَلَا نُكَفِّنُك مِنْ الْجَدِيدِ فَقَالَ إنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ يُوضَعُ لِلْبِلَاءِ وَالْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ وَالتُّرَابِ الْمُهْلُ بِضَمِّ الْمِيمِ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَفِي رِوَايَةٍ ادْفِنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلِ وَالتُّرَابِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَوْبَيْنِ جَازَ) وَهُمَا اللِّفَافَةُ وَالْإِزَارُ وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ وَأَمَّا الثَّوْبُ الْوَاحِدُ فَيُكْرَهُ إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ {حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اُسْتُشْهِدَ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْكِسَاءِ فَكَانَ إذَا غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا قَدَمَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَغُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ وَجُعِلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ} وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَفَّنَ الصَّغِيرُ فِي ثَوْبٍ وَالصَّغِيرَةُ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْمُرَاهِقُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي التَّكْفِينِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نُكَفِّنُهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ الْمَسْنُونُ وَقِيلَ الِاكْتِفَاءُ بِكَفَنِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ الْوَرَثَةِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ كَثْرَةٌ وَفِي الْوَرَثَةِ قِلَّةٌ فَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَرَادُوا لَفَّ اللِّفَافَةَ عَلَيْهِ ابْتَدَءُوا بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَأَلْقَوْهُ عَلَيْهِ ثُمَّ بِالْأَيْمَنِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي حَيَاتِهِ إذَا ارْتَدَى بَدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يُثَنِّي بِالْأَيْمَنِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَيْفِيَّةُ تَكْفِينِ الرَّجُلِ أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ طُولًا ثُمَّ يُبْسَطَ عَلَيْهَا الْإِزَارُ ثُمَّ يُقَمَّصَ الْمَيِّتُ وَيُوضَعَ عَلَى الْإِزَارِ مُقَمَّصًا ثُمَّ يُعْطَفَ الْإِزَارُ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ يُعْطَفَ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ ثُمَّ اللِّفَافَةُ تُعْطَفُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَخِمَارٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ بِهَا ثَدْيَاهَا وَلِفَافَةٌ) وَهَذَا كَفَنُ السُّنَّةِ فِي حَقِّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْخِرْقَةُ مِنْ الثَّدْيَيْنِ إلَى الْفَخْذَيْنِ.
وَفِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الصَّدْرِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ تُرْبَطُ الْخِرْقَةُ عَلَى الثَّدْيَيْنِ فَوْقَ الْأَكْفَانِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا وَالْبَطْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُهُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَحْتَ اللِّفَافَةِ وَفَوْقَ الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْخُنْثَى يُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ احْتِيَاطًا وَيُجْتَنَبُ الْحَرِيرُ وَالْمُعَصْفَرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَكَيْفِيَّةُ تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ أَنْ تُلْبَسَ الدِّرْعَ أَوَّلًا وَهُوَ الْقَمِيصُ وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَ الدِّرْعِ ثُمَّ الْخِمَارَ فَوْقَ ذَلِكَ ثُمَّ الْإِزَارَ ثُمَّ اللِّفَافَةَ وَتُرْبَطُ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ وَيَكُونُ الْقَمِيصُ تَحْتَ الثِّيَابِ كُلِّهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جَازَ) يَعْنِي الْإِزَارَ وَالْخِمَارَ وَاللِّفَافَةَ وَيُتْرَكُ الْقَمِيصُ وَالْخِرْقَةُ وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّهَا وَيُكْرَهُ أَنْ تُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا عَلَى صَدْرِهَا) يَعْنِي ضَفِيرَتَيْنِ فَوْقَ الدِّرْعِ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لَهُ وَآمَنُ مِنْ الِانْتِشَارِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِهَا اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ قُلْنَا ذَاكَ يُفْعَلُ لِلزِّينَةِ وَهَذِهِ حَالَةُ حَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَمَّمُ أَنَّهُ يُجْعَلُ ذَنَبُ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهَا عَلَى الْقَفَا زِينَةٌ وَبِالْمَوْتِ انْقَطَعَتْ الزِّينَةُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ الْمَيِّتِ وَلَا لِحْيَتُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ زِينَةٌ وَالْمَيِّتُ مُنْتَقِلٌ إلَى الْبِلَاءِ وَالْمُهْلِ وَلِأَنَّهُ إذَا سُرِّحَ شَعْرُهُ انْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَاحْتِيجَ إلَى دَفْنِهِ مَعَهُ فَلَا مَعْنَى لِفَصْلِهِ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ أَتَنْصُونَ مَوْتَاكُمْ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ أَتُسَرِّحُونَ شَعْرَهُمْ يُقَالُ نَصَاهُ إذْ أَمَدَّ نَاصِيَتَهُ كَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَصُّ ظُفْرُهُ وَلَا شَعْرُهُ) لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَمْ يُسَنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْخِتَانِ.
قَوْلُهُ: (وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا وَتْرًا) لِأَنَّ {النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ ابْنَتِهِ}.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَافُوا أَنْ تَنْتَشِرَ الْأَكْفَانُ عَنْهُ عَقَدُوهَا) صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْكَشْفِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا فَرَغُوا مِنْهُ صَلَّوْا عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ ثَابِتَةٌ بِمَفْهُومِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ يُشْعِرُ بِثُبُوتِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُوَافِقِينَ وَثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ أَيْضًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِالْوَاحِدِ وَبِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَيِّتَ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ إذَا حَضَرَ) إلَّا أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا حَضَرَ كَانَ أَوْلَى مِنْهُمْ بِعَارِضِ السَّلْطَنَةِ وَحُصُولِ الِازْدِرَاءِ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ إمَامِ الْحَيِّ) وَلَمْ يَقُلْ فَإِمَامُ الْحَيِّ لَيَعْرِفَ أَنَّهُ لَيْسَ كَتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ السُّلْطَانِ وَاجِبٌ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ قَالَ مُحَمَّدٌ يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ إمَامَ الْحَيِّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْوَلِيُّ) أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ أَنَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ عَصَبَاتِ الْمَيِّتِ أَوْلَى وَلَا حَقَّ لِلنِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا لِلصِّغَارِ وَلِلْأَقْرَبِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْأَبْعَدِ مَنْ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَهُ فَإِنْ غَابَ الْأَقْرَبُ فِي مَكَان تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ فَالْأَبْعَدُ أَوْلَى وَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ قَدَّمَ الْغَائِبُ غَيْرَهُ بِكِتَابٍ كَانَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ تَسَاوَى وَلِيَّانِ فِي دَرَجَةٍ فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا أَوْلَى وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَ شَرِيكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ قَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا كَانَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْأَكْبَرُ أَوْلَى وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجُلٌ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى الْوَلِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ الْوَصِيُّ أَوْلَى وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْمُوصَى مِمَّنْ يُرْجَى دُعَاؤُهُ قُدِّمَ عَلَى الْوَلِيِّ وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا زَوْجٌ وَابْنٌ بَالِغٌ فَالْوِلَايَةُ لِلِابْنِ لِأَنَّ الزَّوْجَ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّ هَذَا الِابْنَ إنْ كَانَ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَاهُ تَعْظِيمًا لَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ابْنٌ فَعَصَبَتُهَا أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ بَعُدُوا وَكَذَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ سَبَبَهُ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَوْ كَانَ لَهَا أَبٌ وَابْنٌ وَزَوْجٌ وَابْنُهَا مِنْ هَذَا الزَّوْجِ فَالِابْنُ أَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ جَدَّهُ أَبَا أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ وَلَا يُقَدِّمُ أَبَاهُ إلَّا بِرِضَا الْجَدِّ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَبْدُهُ وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْمُكَاتَبِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَوْلَى وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً إنْ أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ أَوْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفُ فَابْنُ الْمُكَاتَبِ أَحَقُّ مِنْ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمَالُ غَائِبًا فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَمَوْلَاهُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ وَلِيِّهِ كَذَا فِي الْعُيُونِ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَلَهُ أَبٌ حُرٌّ أَوْ أَخٌ حُرٌّ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَبُ وَالْأَخُ أَوْلَى مِنْ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَطَعَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمَوْلَى أَوْلَى لِأَنَّهُ مَاتَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ الْوَلِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ الصَّلَاةَ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْإِعَادَةَ وَقَيَّدَ بِغَيْرِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَلَا إعَادَةَ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِالْأَوْلَى وَالنَّفَلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ وَلِلْمَيِّتِ أَوْلِيَاءُ آخَرُونَ بِمَنْزِلَتِهِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا لِأَنَّ وِلَايَةَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ مُتَكَامِلَةٌ وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ وَأَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْوَلِيِّ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ خَوْفَ الْفَوَاتِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى التَّيَمُّمِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ) مَا لَمْ تَمْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
وَفِي الْهِدَايَةِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلْ قَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يَعْنِي أَنَّ تَفْرِيقَ الْأَجْزَاءِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَيِّتِ فِي السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَبِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ مِنْ الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رَأْيِهِمْ أَنَّهُ قَدْ تَفَسَّخَ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَنُوهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَغْسِلُوهُ فَإِنْ لَمْ يَهِيلُوا عَلَيْهِ التُّرَابَ أَخْرَجُوهُ وَغَسَّلُوهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثَانِيًا وَإِنْ أَهَالُوا التُّرَابَ لَمْ يُخْرِجُوهُ وَيُعِيدُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ثَانِيًا عَلَى الْقَبْرِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرَك الطَّهَارَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ وَسَقَطَتْ فَرِيضَةُ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَقِيبَهَا) أَيْ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ الطَّهَارَةُ وَالسِّتْرُ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْقِيَامُ حَتَّى لَا تَجُوزَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَكْبَرُ مِنْ الْقِيَامِ فَإِذَا تَرَكَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَإِنْ كَانَ وَلِيّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا أَجْزَأَهُمْ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِئُ الْإِمَامَ وَلَا يُجْزِئُ الْمَأْمُومِينَ عَلَى أَصْلِهِ وَيَسْقُطُ فَرْضُ الصَّلَاةِ بِصَلَاتِهِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبِ الْمُصَلِّي نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ وَكَذَا إذَا افْتَتَحَهَا عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَمْ تَجُزْ وَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ فِيهَا إلَى جَانِبِ رَجُلٍ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَمَنْ قَهْقَهَ فِيهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثَانِيَةً وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَلِيه الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الْخُطَبِ وَالتَّشَهُّدِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْأَعْمَالُ مَوْقُوفَةٌ وَالدَّعَوَاتُ مَحْبُوسَةٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيَّ أَوَّلًا وَآخِرًا».
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثَالِثَةً يَدْعُو فِيهَا لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ) مَعْنَاهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ لِكَيْ يُغْفَرَ لَهُ فَيُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْأَدْعِيَةِ أَنْ يَبْدَأَ فِيهَا بِنَفْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا} {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ فَحَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ}، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ زِيَادَةٌ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ زَاكِيًا فَزَكِّهِ وَإِنْ كَانَ خَاطِئًا فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْهُ فِي خَيْرٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ وَاجْعَلْهُ خَيْرَ يَوْمٍ جَاءَ عَلَيْهِ.
وَهَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَاجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا وَأَجْرًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا.
فَرَطًا أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا لَنَا مَصَالِحَنَا فِي الْجَنَّةِ وَذُخْرًا أَيْ خَيْرًا بَاقِيًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا أَيْ مَقْبُولًا شَفَاعَتُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْهَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الدُّعَاءِ الْمُخَافَتَةَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً رَابِعَةً وَيُسَلِّمُ) وَلَا يَدْعُو بَعْدَهَا بِشَيْءٍ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ وَلَا يَنْوِي الْمَيِّتَ فِيهِمَا بَلْ يَنْوِي بِالْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَبِالثَّانِيَةِ مَنْ عَنْ شِمَالِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ اسْتَحْسَنَ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُهُمْ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا} الْآيَةَ وَبَعْضُهُمْ {سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} إلَى آخِرِ السُّورَةِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَقُولَ بَعْدَهَا شَيْئًا إلَّا السَّلَامَ وَيَقُومَ الْإِمَامُ بِحِذَاءِ صَدْرِ الْمَيِّتِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسْطِهَا بِتَسْكِينِ السِّينِ وَإِذَا اجْتَمَعَ جَنَائِزُ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عَلَيْهَا كُلِّهَا صَلَاةً وَاحِدَةً وَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ عَلَى حِدَةٍ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاء وَصِبْيَانٍ وُضِعَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ الصِّبْيَانِ بَعْدَهُمْ ثُمَّ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَكَيْفَ وَضَعْت أَجْزَأَك وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ وَامْرَأَةٌ حُرَّةٌ وُضِعَ الْعَبْدُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ وُضِعَ رَجُلٌ خَلْفَ رَجُلٍ وَرَأْسُ رَجُلٍ أَسْفَلَ مِنْ رَأْسِ الْآخَرِ هَكَذَا دَرَجًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَضَعُوهُمْ هَكَذَا فَحَسَنٌ وَإِنْ وَضَعُوا رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ بِحِذَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ فَحَسَنٌ وَهَذَا أَوْلَى حَتَّى يَصِيرَ الْإِمَامُ بِإِزَاءِ الْكُلِّ وَلَكِنْ يُجْعَلُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالصِّبْيَانُ بَعْدَهُمْ وَالْخَنَاثَى بَعْدَهُمْ وَالنِّسَاءُ بَعْدَهُمْ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَالرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لَا تُرْفَعُ فِيهَا الْأَيْدِي فَكَذَا تَكْبِيرَاتُ الْجِنَازَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ» يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ مَوْضُوعٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَتَكُونُ " فِي " ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَيِّتُ فِي غَيْرِهِ لَمْ تُكْرَهْ وَقِيلَ الْعِلَّةُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلْمَكْتُوبَاتِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ وَلَا يُصَلَّى فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ عَلَى مَيِّتٍ وَتَكُونُ " فِي " ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مَوْضُوعًا فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ وَبِالْعَكْسِ يُكْرَهُ، وَالْكَرَاهَةُ قِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ إذْ لَوْ كَانَ مَسْجِدًا أُعِدَّ لِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا حَمَلُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً بِقَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَغْفِرَةً حَتْمًا» وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ عِبَادَةٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُبَادِرَ فِي الْعِبَادَةِ فَقَدْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ فَإِنَّهُ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَمْشُونَ بِهِ مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ فَإِنْ يَكُ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُمْ إلَيْهِ وَإِنْ يَكُ شَرًّا أَلْقَيْتُمُوهُ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ أَوْ قَالَ فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ» الْخَبَبُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ دُونَ الْعَنَقِ وَالْعَنَقُ خَطْوٌ فَسِيحٌ وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَمَامَهَا أَفْضَلُ وَعَلَى مُتَّبِعِي الْجِنَازَةِ الصَّمْتُ وَيُكْرَهُ لَهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغُوا إلَى قَبْرِهِ كُرِهَ لِلنَّاسِ الْقُعُودُ قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِيهِ وَيُكْرَهُ نَقْلٌ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ» وَفِي نَقْلِهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ قَوْمٌ غَرَبَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْسُ وَهُمْ يُرِيدُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَءُوا بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ يُصَلُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْجِنَازَةِ رَاكِبًا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّقَدُّمُ أَمَامَهَا بِخِلَافِ الْمَاشِي لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ رَاكِبًا تَأَذَّى بِهِ حَامِلُوهَا وَمَنْ هُوَ مَعَهَا.
وَفِي الْمَصَابِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الرُّكُوبِ قَالَ فِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى قَوْمًا رُكْبَانًا فَقَالَ أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» وَلِأَنَّ الرُّكُوبَ تَنَعُّمٌ وَتَلَذُّذٌ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ حَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ وَعِظَةٍ وَاعْتِبَارٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ مَعَ الْجِنَازَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا رَأَى النِّسَاءَ فِي الْجِنَازَةِ قَالَ لَهُنَّ أَتَحْمِلْنَ مَعَ مَنْ يَحْمِلُ أَتُدَلِّينَ فِيمَنْ يُدَلِّي أَتُصَلِّينَ فِيمَنْ يُصَلِّي قُلْنَ لَا قَالَ فَانْصَرِفْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» وَلِأَنَّهُنَّ لَا يَحْمِلْنَ وَلَا يَدْفِنَّ وَلَا يَضَعْنَ فِي الْقَبْرِ فَلَا مَعْنَى لِحُضُورِهِنَّ.
وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجِنَازَةِ نَائِحَةٌ تُزْجَرُ وَتُمْنَعُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «النَّائِحَةُ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنْ مُسْتَمِعِيهَا فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّوْحِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَلَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَخَمْشِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ» فَالصَّالِقَةُ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالنِّيَاحَةِ وَالْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ رَأْسَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ قَمِيصَهَا أَوْ ثَوْبَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَعَنْ «أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ» وَالنِّيَاحَةُ هِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَالنَّدْبُ تَعْدِيدُ النَّادِبَةِ بِصَوْتِهَا مَحَاسِنَ الْمَيِّتِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا الْإِفْرَاطُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ وَأَمَّا الْبُكَاءُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَدْبٌ وَلَا نَوْحٌ وَلَا إفْرَاطٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ: الْعَيْنُ تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَخْشَعُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ وَإِنَّا عَلَيْك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ لَوْلَا أَنَّهُ قَوْلٌ حَقٌّ وَوَعْدٌ صِدْقٌ وَطَرِيقٌ بَيِّنٌ لَحَزِنَّا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ثُمَّ فَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنَّهَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْت قَدْ نَهَيْت عَنْ الْبُكَاءِ قَالَ لَا إنَّمَا نَهَيْت عَنْ النَّوْحِ».
قَوْلُهُ: (وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ وَيُلْحَدُ) إنَّمَا أَخَّرَ الشَّيْخُ ذِكْرَ الْقَبْرِ لِأَنَّهُ آخِرُ جِهَازِ الْمَيِّتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِقْدَارَ عُمْقِهِ إلَى صَدْرِ رَجُلٍ وَسَطِ الْقَامَةِ وَكُلَّمَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ الْمَيِّتِ عَنْ الضَّيَاعِ وَلَوْ حَفَرُوا قَبْرًا فَوَجَدُوا فِيهِ مَيِّتًا أَوْ عِظَامًا قِيلَ يَحْفِرُونَ غَيْرَهُ وَيَدْفِنُونَ هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ وَظَهَرَ فِيهِ عِظَامٌ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْعِظَامَ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ وَيَدْفِنُونَ الْمَيِّتَ مَعَهَا.
قَوْلُهُ: (وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْشَ عَلَى الْقَبْرِ أَنْ يَنْهَالَ أَمَّا إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَذَوُو الرَّحِمِ وَالْمَحْرَمِ أَوْلَى بِإِدْخَالِ الْمَرْأَةِ الْقَبْرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَيُسَجَّى قَبْرُهَا بِثَوْبٍ إلَى أَنْ يُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهَا لِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ شَيْءٌ مِنْهُ حَالَ إنْزَالِهَا فِي الْقَبْرِ وَلِأَنَّهَا تُغَطَّى بِالنَّعْشِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يُسَجَّى قَبْرُ الرَّجُلِ كَمَا لَا يُغَطَّى سَرِيرُهُ بِالنَّعْشِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ قَالَ الَّذِي يَضَعُهُ بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ بِاسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاك وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ سَلَّمْنَاك أَيْ عَلَى شَرِيعَتِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَهُ قَبْرَهُ مِنْ الرِّجَالِ شَفْعٌ أَوْ وَتْرٌ لِأَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَهُ قَبْرَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَصُهَيْبٌ}.
قَوْلُهُ: (وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ) بِذَلِكَ {أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ اسْتَقْبِلْ بِهِ الْقِبْلَةَ اسْتِقْبَالًا وَقُولُوا جَمِيعًا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَضَعُوهُ لِجَنْبِهِ وَلَا تُكِبُّوهُ لِوَجْهِهِ وَلَا تُلْقُوهُ لِظَهْرِهِ}.
قَوْلُهُ: (وَتُحَلُّ الْعُقَدُ عَنْهُ) لِأَنَّهَا إنَّمَا فُعِلَتْ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ الْأَكْفَانَ وَقَدْ أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ دُفِنَتْ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ {النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جُعِلَ لَحْدُهُ اللَّبِنَ}.
وَفِي الْفَتَاوَى وُضِعَ عَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ قَصَبٍ وَالْقَصَبُ فِي مَعْنَى اللَّبِنِ فِي قُرْبِهِ مِنْ الْبِلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) لِأَنَّهُمَا لِأَحْكَامِ الْبِنَاءِ وَهُوَ لَا يَلِيقُ بِالْمَيِّتِ لِأَنَّ الْقَبْرَ مَوْضِعُ الْبِلَاءِ فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ الْأَحْجَارُ وَقِيلَ إنَّمَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ لِأَنَّهُ مَسَّتُهُ النَّارُ فَلَا يَتَفَاءَلُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ الْحَجَرُ وَالْخَشَبُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مِسَاسَ النَّارِ فِي الْآجُرِّ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْكَرَاهَةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَقَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَوْجَهُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ فِيهِ أَحْكَامَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْآجُرِّ وَالْخَشَبِ وَالْخَشَبُ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَثَرُ النَّارِ وَقَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى لَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ فِي بِلَادِنَا لِمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِضَعْفِ الْأَرَاضِيِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَوْ اتَّخَذُوا تَابُوتًا مِنْ حَدِيدٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ اللَّبِنُ.
وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنَّمَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ إذَا كَانَ مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ فَوْقِ اللَّبِنِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عِصْمَةً مِنْ السَّبُعِ وَصِيَانَةً عَنْ النَّبْشِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ إذَا اتَّخَذُوا التَّابُوتَ مِنْ الْحَدِيدِ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالْقَصَبِ) يَعْنِي غَيْرَ الْمَنْسُوجِ أَمَّا الْمَنْسُوجُ فَيُكْرَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَالْمَنْسُوجُ هُوَ الْمَحْبُوكُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ) وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُهِيلُوا بِأَيْدِيهِمْ وَبِالْمَسَاحِيِّ وَبِكُلِّ مَا أَمْكَنَ يُقَالُ هِلْت التُّرَابَ إذَا صَبَبْته وَأَرْسَلْته وَكَذَلِكَ يُقَالُ حَثَا التُّرَابَ أَيْضًا إذَا صَبَّهُ إلَّا أَنَّ الْحَثْيَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ دَفْعِ التُّرَابِ وَالْهَيْلُ الْإِرْسَالُ مِنْ غَيْرِ دَفْعٍ وَيُقَالُ هِلْت الدَّقِيقَ فِي الْجِرَابِ إذَا صَبَبْته مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ شَهِدَ دَفْنَ مَيِّتٍ أَنْ يَحْثُوَ فِي قَبْرِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ التُّرَابِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَيَكُونُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ وَيَقُولُ فِي الْحَثْيَةِ الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} وَفِي الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} وَفِي الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} وَقِيلَ يَقُولُ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ زَوِّجْهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قَالَ فِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِك.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُسَطَّحُ) أَيْ وَلَا يُرَبَّعُ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَاهَدَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَهِيَ مُسَنَّمَةٌ عَلَيْهَا فَلْقٌ مِنْ مَدَرٍ وَيُكْرَهُ تَطْيِينُ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصُهَا وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا وَالْكَتْبُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا تُجَصِّصُوا الْقُبُورَ وَلَا تَبْنُوا عَلَيْهَا وَلَا تَقْعُدُوا عَلَيْهَا وَلَا تَكْتُبُوا عَلَيْهَا» وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِتَسْوِيَةِ التُّرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ الرَّشَّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّطْيِينِ وَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ بِاللَّيْلِ وَلَكِنَّهُ بِالنَّهَارِ أَمْكَنُ لِأَنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ دُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ» وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دُفِنَ لَيْلًا وَدُفِنَتْ عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْلًا وَالْأَفْضَلُ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي فِيهَا قُبُورُ الصَّالِحِينَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ أَنْ يَجْلِسُوا سَاعَةً عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا يَتْلُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ لِلْمَيِّتِ.
قَالَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ إذَا أَنَا مِتّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي قَوْلُهُ فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ صُبُّوهُ قَلِيلًا قَلِيلًا وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَمَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا مِنْ الْجَنَّةِ وَمَنْ عَزَّى مُصَابًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَوَقْتُهَا مِنْ حِينِ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَتُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُجَدِّدُ الْحُزْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزَّى أَوْ الْمُعَزِّي غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا وَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ مَشْغُولُونَ قَبْلَ الدَّفْنِ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ وَحْشَتَهُمْ بَعْدَ الدَّفْنِ لِفِرَاقِهِ أَكْثَرُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُرَ مِنْهُ جَزَعٌ شَدِيدٌ فَإِنْ رَأَوْا ذَلِكَ قُدِّمَتْ التَّعْزِيَةُ لِتَسْكِينِهِمْ وَلَفْظُ التَّعْزِيَةِ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَأَلْهَمَك صَبْرًا وَأَجْزَلَ لَنَا وَلَك بِالصَّبْرِ أَجْرًا وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ {تَعْزِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْدَى بَنَاتِهِ كَانَ قَدْ مَاتَ لَهَا وَلَدٌ فَقَالَ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى}.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ أَيْ الْعَالَمُ كُلُّهُ مِلْكُ اللَّهِ فَلَمْ يَأْخُذْ مَا هُوَ لَكُمْ بَلْ أَخَذَ مِلْكَهُ وَهُوَ عِنْدَكُمْ عَارِيَّةٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَهُ مَا أَعْطَى أَيْ مَا وَهَبَهُ لَكُمْ لَيْسَ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ بَلْ هُوَ لَهُ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ مَنْ قَدْ قَبَضَهُ فَقَدْ انْقَضَى أَجَلُهُ الْمُسَمَّى فَلَا تَجْزَعُوا وَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتَهَلَّ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ أَوْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ صُرَاخٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ تَثَاؤُبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِفَاضِ وَبَسْطِ الْيَدِ وَقَبْضِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكْمَ الْمَيِّتِ وَتُشْتَرَطُ الْحَيَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الِانْفِصَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ ثُمَّ صَاحَ وَخَرَجَ بَاقِيه مَيِّتًا لَا يُحْكَمُ بِحَيَاتِهِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَالُ إذَا صَاحَ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) وَفِي الْغُسْلِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُغَسَّلُ وَفِي الْهِدَايَةِ يُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِاسْتِهْلَالِهِ قُبِلَتْ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَكَذَا الْأُمُّ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ وَأَمَّا الْقَابِلَةُ فَلَا تُقْبَلُ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ عِدْلَةً كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ